رفع الدعم عن الأدوية يهدد حياة اللبنانيين

كأن اللبناني لم يكن ينقصه المشكلات والمصائب التي يواجهها ويعاني منها جرّاء غلاء أسعار المواد الغذائية، ارتفاع أسعار المحروقات والكهرباء، وتفاقم الأزمة الاقتصادية، حتى يأتي موضوع رفع الدعم عن الأدوية بنسب متفاوتة جعلت أسعار الأدوية في الأسواق اللبنانية ترتفع بشكل جنوني. ونتيجة لهذا لم يعد لكثير بل لمعظم اللبنانيين قدرة على شراء معظم الأدوية.
الدولة اللبنانية ممثَّلة بمصرف لبنان ووزارة الصحة والحكومة الحالية، أخذت قرارًا منذ ما يقارب الثلاث أسابيع رفعت بموجبه الدعم عن الأدوية بما فيها المزمنة، بنسب متفاوتة كما جاء في القرار، بحيث أن رفع الدعم عن بعض الأدوية بلغ 80% وبعضها الآخر 60% وبعضها 45%.
وقد عللت الحكومة هذا الإجراء بعدم توفر الإمكانات المالية الكافية لتغطية فرق أسعار الدواء بين سعر الاستيراد وسعر السوق بحسب العملة الأجنبية، لأن السعر الرسمي لصرف الدولار الأمريكي في لبنان ما زال 1515 ليرة لكل دولار واحد، في حين أن سعر صرف الدولار في السوق السوداء أو الموازية يتخطى عتبة 22 ألف ليرة للدولار، ما جعل المصرف المركزي الذي كان يتولى مسألة تغطية الفرق من خلال تأمين العملة الأجنبية يتخلّى عن هذه المهمة، تحت حجّة عدم توفر السيولة الدولارية اللازمة للقيام بهذا الأمر.
سقط الإعلان عن رفع الدعم الجزئي عن الأدوية المزمنة بسبب عدم قدرة مصرف لبنان المركزي على الاستمرار بالدعم نتيجة الأزمة الاقتصادية والنقدية الحادة، كالصاعقة على رأس اللبنانيين، تزامناً مع إعلان المستشفيات تحميل المريض جزءاً من الفاتورة بالدولار أو ما يوازيه في السوق السوداء.
ووفق الجداول الجديدة لأسعار الأدوية والزيادات التي طرأت، تضاعفت أسعار آلاف الأدوية لتصل حتى 10 أضعاف التسعيرة السابقة. كذلك الأمر لم يسلم حليب الأطفال دون عمر السنة من رفع الدعم، فبعد أن كان حليب الرضّع مدعوماً وبسعر يتراوح بين 12000 و15000 ألف ليرة لبنانية ارتفع ثمنه إلى حدود الـ100 ألف ليرة .
وفي هذا الإطار قال نقيب الصيادلة غسان الأمين أنه لم يعد هناك خيارات في لبنان، وعنوان المرحلة هو الاختيار بين السيئ والأسوأ. معتبرًا أنّ الأسوأ هنا هو الوضع الذي مرّ به البلد من ناحية فقدان الأدوية من الأسواق. ويقول: «في المرحلة السابقة كانت الأدوية المقطوعة من الأسواق اللبنانية بسبب عدم استيرادها، ولم يستورد لبنان منذ 4 أشهر ونصف شحنات أدوية جديدة، ما دفع الناس إلى استيرادها من الخارج بأضعاف الأسعار.
“أما اليوم فنحن في المرحلة السيئة”، حسب الأمين، معتبرًا أنّ رفع الدعم جزئياً عن الأدوية سيجعلها متوفرة في الأسواق، ورغم ارتفاع أسعارها لن تصل إلى سعر الأدوية المهربة. فارتفاع فاتورة الأدوية 8 مرات أو عشر مرات بعد رفع الدعم جزئياً يعني أنها لم تصل إلى سعر دولار السوق السوداء.
من جهته، يقول نقيب أصحاب المستشفيات الخاصة في لبنان الدكتور سليمان هارون إن رفع الدعم عن أكثرية المستلزمات الطبية وعن قسم كبير من الأدوية واضطرار المستشفيات إلى دفع ثمنها بالدولار نقدًا عند التسليم، أجبر المستشفيات على تحميل الفروقات للمرضى، خصوصاً أن الجهات الضامنة لا تغطي هذه الفروقات.
ويوضح أن فاتورة المريض في المستشفى تخضع للمستلزمات المستخدمة وأسعارها، ويمكن أن تصل إلى عشرات ملايين الليرات، مؤكداً في الوقت عينه أن القسم الأكبر من اللبنانيين لا يستطيع تحمل هذه الكلفة.
بات جزءًا كبيرًا من الشعب اللبناني اليوم عاجز عن توفير إحدى أهم متطلبات عيشه، الدواء. وبعدما كان لبنان موصوفًا ب”مستشفى الشرق” تراجع دور القطاع الطبي فيه اليوم نسبةً لتأثره بالأزمة الاقتصادية الحادّة التي تعصف بالبلاد، فنسبة كبيرة من الأطباء والكوادر الطبية صارت خارج البلد. إضافةّ الى أن الطبقة الغنية والميسورة فقط أصبحت تستفيد من هذا القطاع نظرًا لإرتفاع التكلفة الاستشفائية في ظل رفع الدعم عن الأدوية والمستلزمات الطبية الأساسية. فكيف يمكن للفقير أن يتعالج في بلدٍ باتت تكلفة العلاج فيه ضعف الحد الأدنى للأجور؟ وإلى متى سيبقى المواطن اللبناني “كبش فدا” لأخطاء وإخفاقات المسؤولين في البلد؟
كيندا زيتوني